لو تأمّلنا في الآية الكريمة :
{ ووصّينا الإنسانَ بوالديهِ حملَتهُ أمّهُ وَهناً على وَهنٍ وفِصالُهُ في عامَينِ أنِ اشكُر لي ولوالِدَيكَ إليَّ المصيرُ }
لوَجدنا كيف قرَنَ المولى الكريمُ شُكرنا له بشكرِنا لوالدينا ، فشكرُ الوالدين هو شكرٌ لله ، وعنايتنا بهما ممّا يرتضيه خالقنا .
فلقد أوصانا اللهُ أن نقوم بالشكر له ولوالدينا ، وأن نرعاهما ونـُلبـّي جميعَ احتياجاتهما ، بل وحذَّرنا مِن أن نجرح مشاعرهما أو أن نتأفـّف بشيءٍ مِن طلباتهما أو توجيهاتهما لنا ، بل جعَل نظرنا إليهم عبادة .
فنحن بالنسبة لوالدينا شُجيرةً قد تعِـبا تعباً شديداً في تربيتها وتنميتها ، بل قد أنفقا عمريهما في رعايتها ، ونحنُ جزءاً لا يتجزّأ مِنهما , أفلا يُنشِدا أن نعترف بهذا الجميل العظيم ، أم نستكثر عليهما أن يجدا هذه النبتة التي قضيا عمرهما في تنشئتها قد أعطت ثماراً صالحة .
وكَم وكَم حملا مِن الهموم وكَم سَعَوا لأجل تغذيتنا وكِسوتنا وتعليمنا ، وكَم أجهدَهما تأمين لِقمة العيش لنا ، وكَم كنّا ننزعج عندما نعود ولا نجد الطعامَ جاهِزاً ، وكَم تألـّما مِن أجل سعادتنا وتلبية طلباتنا .
فلننظر ماذا كُنـّا وكيف أصبحنا ، فقد كنـّا صغارً ضعافاً وِضاعاً جاهلين فقراء ، ثمّ أصبحنا كباراً أقوياء أعِزّاء متعلّمين أغنياء ، وكلّ ذلك مِن خلال فضل الله علينا بتهيئتهما لتربيتنا ورعايتنا وتوجيهنا .
والحمد لله فالكثيرون منـّا يقومون بتأدية هذه الحقوق ، بل ويعشقون والديهما ولا يتوانون في خِدمتهما والعمل على سعادتهما ، ولكن في المقابل هناك مَن ينظر إلى مَصالِحه الخاصّة ، وإلى تنمية أمواله وتحقيق المنزلة الإجتماعية على حساب برِّ والديه .
وما أكثر الأمثلة . . . وخُذ مثلاً صاحب البناية التي أقطنها حاليّاً ، حيث أنّه يرفض رفع الإيجار وأبناؤه قد اشتاطوا غيظاً ، ووَصَلَ بهمُ الحال أنّهم ما انفكوا يحاولون إدخال والدهم إلى مَصحّة عقليّة ، مِن أجل أن يحجِروا عليه صحيّاً ، ويتصرّفوا في رفع الإيجار كما يحلو لهم .
هذا علاوةً عن حالات الإساءة وقلـّة الاحترام والاعتبار والتجاهل التي نسمع بها ، حتّى أنّ البعض يعاملون والِدهم كالعجوز الجاهِل الخَرِف ، أو حتى كالسائق أو الخادِم ، فويلُ لهم ممّا كسَبَت أيديهم .
فيجب أن لانغفل عَن أهميّة والدينا في حياتنا ، حتى بعد رحيلهما عنـّا ، حيث يجب علينا التكريم والإحسان إلى أصدقائهما والمحافظة على اتباع توجيهاتهما والدعاء لهما .
فعندما نبرّ الوالِدة ننال التوفيق مِن الله ، وعِندما نبرّ الوالِد ننال العون والنًصرة مِن الله .
ولقد قالوا ليست الدنيا سوى أمّاً ، وفعلاً فلا ننال السعادة في الدنيا إلا مِن تعب الأم ورعايتها ودعواتها ، وطبعاً للأب دوراً لا يقلّ عنها .
وبالمقابل فعندما نُطيع الله نبرّ والدينا ونزيد مِن حَسناتهما ، كما أنّهما يتأذيّا بذنوبنا .
كما أنّنا عندما نُهدي لهما بعض الأعمال فإنّنا بذلك ننال 3 أمور :
- ننال ثواب العمل الذي عملناه على نيّتهما
- ينالا نفس ثواب العمل الذي عَمِلناه لأجلهما
- نـُرزق بأبناء صالحين يُهدوا لنا مِثل ما أهدَينا لوالدينا
فالبر بالوالدين ينتقل إلى أبنائنا ، والعقوق يعود علينا بمثلهِ مِن أبنائنا ، فكما تُدينُ تُدان ولا تَحصِد إلا ما زَرعتَ .
وفي النهاية أحبُّ أن أهدي لكم بهذه النصيحة المُجَرَّبة ... مَن كان أحدُ والديه قد فارق الحياة ، فليحاول التخفيف عن والده بهذا العمل :
يتوجّه في جَوف الليلِ في دُعائه وليَهَب جميعَ أعماله المقبولة إلى والديه أو أحدهما ، وليسأل الله أن يهب لهما جميع ما يحتاجاه مِن عمله ( وليترك له حسنةً واحدةً مقبولة )
وبإذن الله مَن عَمِلَ بهذه التجربة وهو صادق القول والنيّة ... فسيُضاعِفُ اللهُ حسناتِه بشكلٍ كبير وسريع وبدون أي نقصان واللهُ غنيٌّ عن العالَمين ، وسيُرضي والديه ويرفع مِن درجتيهما ، كما أنّه سيلاقي توفيقاً وسعادةً غير عاديّة في القريب العاجل ... جزاءاً لهذه التضحية الكبيرة ولهذا اليقين ، وبأنّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسنين .
{ ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً }
والله وليُّ التوفيق