حتى تغيّر شيئاً اُنظر إليه نظرة مغايرة ، لأنّ النظرة التقليدية تجعلك تقتنع بما أنت فيه فلا ترى حاجة للتغيير .. ذلك أنّ أيّة عملية تغيير أو تبديل في أيّ طبع أو عادة تحتاج إلى شعور داخلي أن هذا الطبع أو العادة ليسا صالحين ولا بدّ من تغييرهما .
دعنا ـ في البداية ـ نطرح عليك بعض الأسئلة :
ـ هل جرّبت أن تعدّل سلوكاً معيناً إثر تعرّضك إلى نقد شديد ؟
ـ هل قرأت مقالة ، أو حديثاً ، أو حكمة ، أو قصّة ذات عبرة ودلالة ، فتأمّلتها جيِّداً ، وإذا بها تحدث في كيانك هزّة ، لتعيد النظر على ضوئها في أفكارك أو تصرّفاتك ؟
ـ هل التقيت ـ ذات مرّة ـ بشخص غير اعتيادي ، وحينما حادثته شعرت أنّ لأفكاره قابلية النفوذ إلى قلبك وعقلك ، أو أنّ سلوكه من التهذيب والنزاهة والاستقامة ما يجعلك أن تتأسّى به ؟ بل وتعيد حساباتك القديمة ؟
ـ هل حدث أن مشيت في طريق لمسافة طويلة ، ثمّ اكتشفت أنّ هذه الطريق ليست الطريق التي تريدها ، ولا هي التي توصلك إلى هدفك ، ورغم معاناتك في السير الطويل وتعبك الشديد ، تقرّر أن تسلك طريقاً أخرى تهديك إلى ما تريد ؟
ـ هل سبق أن كوّنت قناعة معيّنة حول شيء ما ، وقد بدت لبعض الوقت ثابتة لا تتغيّر لكن وقع ما جعلك تراجع قناعتك .. كفشل في تجربة ، أو تعرّضك لصدمة فكرية أو روحية ، أو تشكّلت لديك قناعة جديدة إمّا جرّاء الدراسة والبحث ، أو من خلال اللقاء بأناس أثّروا في حياتك ، فلم تُكابر ولم تتعصب تعصب الجاهلين ، لأ نّك رأيت القناعة المغايرة الأخرى أسلم وأرشد وأهدى ؟
ـ هل سكنتَ في منطقة ، أو بقعة من الأرض ، لفترة طويلة فألفتها وأحببتها وتعلّقت بها لأ نّها كانت مرتعاً لذكرياتك، ثمّ حصل ما جعلك تهاجر منها أو تستبدل بها غيرها لظروف ذاتية أو خارجية ، وإذا بك تألف المكان الجديد ، وقد تجد فيه طيب الإقامة وحسن الجوار ؟
إذا لم تكن ـ لحدّ الآن ـ تعرّضتَ لأيّ من الحالات السابقة ، فالحياة كفيلة بتغيير بعض قناعاتك ، وبعض أفكارك ، وبعض السبل أو الوسائل التي تعتمدها في حياتك ، وبعض الطباع التي أدمنتها وداومت عليها .
تغيير القناعات أمر طبيعيّ ، ويدلّل في الكثير من الحالات على درجة من النضج والوعي والمرونة .
دعنا نراجع الأمثال السابقة من وجهة نظر أخرى ، وقبل ذلك نسأل :
ـ هل الأقوال المارّة الذكر مقدّسة لا تقبل النقد أو الطعن ؟
ـ هل هي توقيفية أي وقفت على معنى ثابت لا يتغيّر ؟
إذا لم تكن لا هذا وذاك فهي قابلة للنقد والنقاش والطعن والتفنيد وربّما التعديل .
إنّ العادة التي في البدن قد تكون مادّية كالشراهة في الأكل ، وقد تكون معنوية كالكذب . وبالرغم أنّ الاعتياد والإدمان يجعل الترك أو التخلّي والتخلّص من هذه العادات صعباً عليك ، لكن بإمكانك أن تسأل الكثير من الشرهين والشرهات الذين كسروا هذه العادة ، وقنّنوا وانتظموا واعتدلوا في طعامهم ، ولك أن تسأل عن كيفية نجاحهم .
لا شكّ أن تمارين التقنين الغذائي (الرجيم) التي التزمها بعض الرجال وبعض النساء أتت بنتائج باهرة ، إذ مَنْ كان يتصوّر أنّ الذي فاق وزنه المائة كيلوغرام يغدو رشيقاً إلى هذا الحدّ ؟
وتلك البدينة التي أثقلها حملها من اللحوم والشحوم ، مَنْ يصدّق أنّها هذه التي أصبحت خفيفة لطيفة ؟
ـ كيف نجحوا ؟
ـ بالإرادة !
وحتى الكذب ، أو أيّة خصلة سيِّئة أخرى ، حينما عقد المبتلون بها العزم على معالجتها والقضاء عليها ، وصدقوا في عزمهم وقرارهم ، استهجنوا تلك الخصال الذميمة ، وعملوا على استبدالها بأضدادها ، وندموا على الماضي الملوّث بها ، وعادوا انقياء منها كما هو الثوبُ الملوّث بعد الغسل .
أمّا مقولة «مَنْ شبّ على شيء شاب عليه» فقد أسيء فهمها ، وتركزت النظرةُ إليها في الجانب السلبيّ ، أي مَنْ اعتاد على خصلة ذميمة في شبابه فإنّها ستلازمه حتى مشيبه ، والحال أنّ المقولة أو الحديث ناظر إلى إهمال العادات والطباع وتركها لتستفحل دونما معالجة ، حتى لتصبح بعد حين جزءاً لا يتجزّأ من الجسد ، أي أنّ المقولة ليست قاعدة ثابتة أو قانوناً صارماً ، وإنّما هي توصيف لحالة استعباد العادة للشباب .
كما أنّ المقولة تحمل وجهاً آخر ، وهو أن اعتياد الأمور الإيجابية والخيّرة ، والمواظبة على الحسنات والأفعال الصالحة يجعل منها ملكات يصعب قلعها .
وأمّا الأمثال التي تصوّر الطبع أو العادة قميصاً من حديد ، والتي تبيّن استحالة تغيير الطباع بما يوحي بحالة من اليأس من ذلك ، فلا تصمد أمام النقد .
إنّ القميص الحديدي قابل للكسر والتقطيع إذا كانت النار الموجهة إليه حامية ، أو أن منشاراً كهربائياً سلّط عليه ، أو أنّ حديداً أقوى وأصلب منه يلويه ، ألم تقرأ في الأمثال «لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد» .
إنّ ما يوصف بـ (الإرادة الحديدية) قابلة أن تكسر الطباع والعادات التي تبدو في الظاهر حديدية ، ودونك قصص أصحاب الإرادات الفولاذية وما صنعوا ، فتأمّل فيها .